الصفحات

الثلاثاء، 4 يناير 2011

احكام تخص المراة

طلال بن أحمد العقيل
الحج إلى بيت الله الحرام كل عام واجب كفائي على أمة الإسلام ويجب على كل مسلم توفرت فيه شروط



الحج أن يحج مرة في العمر وما زاد عن ذلك فهو تطوع ، وهو ركن من أركان الإسلام و نصيب المرأة المسلمة من الجهاد لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال : ( نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة ) . رواه أحمد وابن ماجة .
للحج شروط عامة للرجل والمرأة وهي الإسلام والعقل والحرية والبلوغ والاستطاعة المالية.
1- المحرم: وتختص المرأة باشتراط وجود المحرم الذي يسافر معها للحج وهو زوجها أو من تحرم عليه تحريماً أبدياً بنسب: كأبيها وابنها وأخيها أو بسبب مباح كأخيها من الرضاع أو زوج أمها أو ابن زوجها.
والدليل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب: (يقول لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر إلا مع ذي محرم ) .
فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال له صلى الله عليه وسلم : ( انطلق فحج مع امرأتك) متفق عليه .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا مع ذو محرم ) متفق عليه.
والأحاديث في هذا كثيرة تنهى عن سفر المرأة للحج وغيره بدون محرم لأن المرأة ضعيفة يعتريها ما يعتريها من العوارض والمصاعب في السفر لا يقوم بمواجهتها إلا الرجال وهي مطمع للفساق فلا بد من محرم يصونها ويحميها.
ويشترط في المحرم الذي تصحبه المرأة في حجها :
العقل والبلوغ والإسلام فإن أيست من وجود المحرم لزمها أن تستنيب من يحج عنها.
2- وإذا كان الحج نفلاً اشترط إذن زوجها لها بالحج ، لأنه يفوت به حقه عليها، وللزوج حق في منعها من حج التطوع .
3- يصح أن تنوب المرأة عن الرجل في الحج والعمرة باتفاق العلماء كما يجوز أن تنوب عن امرأة أخرى سواء كانت بنتها أو غير بنتها .
4- إذا اعترى المرأة وهي في طريقها إلى الحج حيض أو نفاس فإنها تمضي في طريقها وتكمل حجها وتفعل ما تفعله النساء الطاهرات غير أنها لا تطوف بالبيت فإن أصابها ذلك عند الإحرام فإنها تحرم لأن عقد الإحرام لا تشترط له الطهارة .
5- وتفعل المرأة عند الإحرام كما يفعل الرجل من حيث الاغتسال والتنظيف بأخذ ما تحتاج إلى أخذه من شعر وظفر ولا بأس إذا تطيبت في بدنها مما ليس له رائحة ذكية من الأطياب لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : ( كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضمد جباهنا بالمسك عند الإحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراها النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا ) رواه أبو داود .
6- عند نية الإحرام تخلع المرأة البرقع والنقاب إذا كانت لابسة لهما قبل الإحرام ؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تنتقب المرأة المحرمة ) رواه البخاري. وتغطي وجهها بغير النقاب والبرقع بأن تضع عليه الخمار أو الثوب عند رؤية الرجال غير المحارم لها وكذا تغطي كفيها عنهم بغير القفازين بأن تضع عليهما ثوباً لأن الوجه والكفين عورة يجب سترها عن الرجال الأجانب في حالة الإحرام وغيرهما.
7- يجوز للمرأة حال إحرامها أن تلبس ما شاءت من الملابس النسائية التي لا زينة فيها ولا مشابهة لملابس الرجال وليست ضيقة تصف حجم أعضائها ولا شفافة لا تستر ما وراءها وليست قصيرة تنحسر عن رجليها أو يديها بل تكون ضافية كثيفة واسعة.
وأجمع أهل العلم على أن للمحرمة لبس القميص والدروع والسراويلات والخمر والخفاف ولا يتعين عليها أن تلبس لوناً معيناً من الثياب كالأخضر وإنما تلبس ما شاءت من الألوان المختصة بالنساء أحمر أو أخضر أو أسود ويجوز لها استبدالها بغيرها إذا أرادت.
8- يسن للمرأة أن تلبي بعد الإحرام بقدر ما تسمع نفسها وإنما كره لها رفع الصوت مخافة الفتنة بها ولهذا لا يسن لها أذان ولا إقامة والمسنون لها في التنبيه في الصلاة التصفيق دون التسبيح.
9- يجب على المرأة في الطواف التستر الكامل وخفض الصوت وغض البصر وعدم مزاحمة الرجال وخصوصاً عند الحجر الأسود أو الركن اليماني وتطوف في أقصى المطاف لأن المزاحمة حرام لما فيها من الفتنة وأما القرب من الكعبة وتقبيل الحجر فهما سنتان مع تيسرهما ولا ترتكب محرماً لأجل تحقيق سنة. والسنة في حقها أن تشير إلى الحجر إذا حاذته من بعيد.
10- وطواف النساء وسعيهن مشي كله وأجمع أهل العلم أنه لا رمل على النساء حول البيت ولا بين الصفا والمروة وليس عليهن اضطباع.
11- أما عن ما تفعله المرأة الحائض من مناسك الحج وما لا تفعله حتى تطهر. فإن الحائض تفعل كل مناسك الحج من إحرام ووقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة ورمي الجمار ولا تطوف بالبيت حتى تطهر يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري. ولا تسعى المرأة الحائض بين الصفا والمروة لأن السعي لا يصح إلا بعد طواف النسك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسع إلا بعد الطواف. وقال جمهور العلماء أن الحاج لو سعى قبل الطواف لم يصح سعيه .
تنبيه : لو طافت المرأة وبعد أن انتهت من الطواف أصابها الحيض ؛ فإنها في هذه الحالة تسعى ، لأن السعي لا تشترط له الطهارة .
12- يجوز للنساء أن ينفرن مع الضعفة من مزدلفة بعد غيبوبة القمر ويرمين جمرة العقبة عند الوصول إلى منى خوفاً عليهن من الزحمة.
13- المرأة تقصر من رأسها للحج والعمرة من رؤوس شعر رأسها قدر أنملة ولا يجوز لها الحلق. والأنملة هي رأس الإصبع.
14- المرأة الحائض إذا رمت جمرة العقبة وقصرت من رأسها فإنها تحل من إحرامها ويحل لها ما كان محرماً عليها بالإحرام إلا أنها لا تحل للزوج إلا بعد طواف الإفاضة. فإن مكنته من نفسها قبل ذلك وجبت عليها الفدية وهي ذبح شاة في مكة وتوزيعها على فقراء الحرم.
15- إذا حاضت المرأة بعد طواف الإفاضة فإنها تسافر متى أرادت ويسقط عنها طواف الوداع لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : (حاضت صفية بنت حيي بعد ما أفاضت ، قالت : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أحابستنا هي ؟ ، قلت : يا رسول الله إنها قد أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة قال : ( فلتنفر إذن ) متفق عليه .
وعن ابن عباس رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس بأن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن المرأة الحائض والنفساء .
-------------------------------------


إنَّ الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنسْتَعِينُهُ، وَنَسْتْغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِه اللهُ فَلا مُضِلّ لـَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.


أما بعد :


فإن بين أيدينا مسائل تتعلق بالحج و اخترت أن تكون مسائل الحج تختص بالنساء وذلك لبعد كثير من أخواتنا عن مجالس أهل العلم ولأجل اشتغالهنَّ كثيراً في أمور البيت والخدمة فيه ؛بخلاف الرجال فإنهم أ قرب من النساء لأهل العلم في ذلك .


ما اختصـت بـه الـمرأة دون الرجـل في أعمـال الحــج :


1- مما اختصت به المرأة أنها لا تسافر وحدها في سفر إلا مع ذي محرم :-


قال ابن قدامة المقدسي في المغني ( 3/ 192-193) :


[ وحكم المرأة إذا كان لها محرم كحكم الرجل .


ظاهر هذا أن الحج لا يجب على المرأة التي لا محرم لها ، لأنه جعلها بالمحرم كالرجل في وجوب الحج ، فمن لا محرم لها لا تكون كالرجل فلا يجب عليها الحج وقد نص أحمد فقال أبو داود: قلت لأحمد امرأة موسرة لم يكن لها محرم هل يجب عليها الحج ؟ قال : لا ,وقال : أيضاً المحرم من السبيل ،وهذا قول الحسن و النخعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي ،وعن أحمد أن المحرم من شرائط لزوم السعي دون الوجوب ،فمتى فاتها الحج بعد كمال الشرائط الخمس بموت أو مرض لا يرجى برؤه ، أخرج عنها حجة لأن شروط الحج المختصة به قد كملت ،وإنما المحرم لحفظها فهو كتخلية الطريق وإمكان المسير ،وعنه رواية ثالثة :أن المحرم ليس بشرط في الحج الواجب ، وقال الأثرم : سمعت أحمد يسأل :


هل يكون الرجل محرماً لأم امرأته يخرجها إلى الحج ؟


فقال : أما في حجة الفريضة فأرجو لأنها تخرج إليها مع النساء ومع كل من أمنته ، وأما في غيرها فلا .


والمذهب الأول وعليه العمل ،وقال ابن سيرين ومالك والأوزاعي و الشافعي : ليس المحرم شرطاً في حجها بحال ،قال ابن سيرين : تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به.


وقال مالك : تخرج مع جماعة النساء ،وقال الشافعي : تخرج مع حرة مسلمة ثقة ،وقال الأوزاعي تخرج مع قوم عدول تتخذ سلماً تصعد عليه وتنزل ولا يقربها رجل إلا أنه يأخذ رأس البعير وتضع رجله على ذراعه .


قال ابن المنذر : تركوا القول بظاهر الحديث واشتراط كل واحد منهم شرطاً لا حجة معه عليه واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة بالزاد والرحلة .وقال لعدي بن حاتم :يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها لا تخاف إلا الله ،ولأنه سفر واجب فلم يشترط له المحرم كالمسلمة إذا تخلصت من أيدي الكفار.


ولنا ما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا ومعها ذو محرم )) وعن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم )) فقام رجل فقال : يا رسول الله إني كنت في غزوة كذا وانطلقت امرأتي حاجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( انطلق فاحجج مع امرأتك )) متفق عليهما . وروى ابن عمر وأبو سعيد نحوا من حديث أبي هريرة . قال أبو عبد الله : أما أبو هريرة فيقول يوماً وليلة . ويروى عن أبي هريرة لا تسافر سفراً أيضاً . وأما حديث أبي سعيد يقول : ثلاثة أيام ، قلت : ما تقول أنت ؟ قال : لا تسافر سفراً قليلاً ولا كثيراً إلا مع ذي محرم . وروى الدار قطني بإسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم )) وهذا صريح في الحكم ولأنها أنشأت سفراً في دار الإسلام فلم يجز بغير محرم كحج التطوع .


وحديثهم محمول على الرجل بدليل أنهم اشترطوا خروج غيرها معها ، فجعل ذلك الغير المحرم الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثنا أولى مما اشترطوه بالتحكم من غير دليل .






ويحتمل أنه أراد أن الزاد والراحلة يوجب الحج مع كمال بقية الشروط ، ولذلك اشترطوا تخلية الطريق وإمكان المسير وقضاء الدين ونفقة العيال واشترط مالك إمكان الثبوت على الراحلة ، وهي غير مذكورة في الحديث واشترط كل واحد منهم في محل النزاع شرطاً من عند نفسه لا من كتاب ولا من سنة ،فما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاشتراط ولو قدر التعارض فحديثنا أخص وأصح وأولى بالتقديم ، وحديث عدي يدل على وجود السفر لا على جوازه ، ولذلك لم يجز في غير الحج المفروض ولم يذكر فيه خروج غيرها معها ، وقد اشترطوا هاهنا خروج غيرها معها . وأما الأسيرة إذا تخلصت من أيدي الكفار ، فإن سفرها سفر ضرورة لا يقاس عليه حالة الاختيار ، ولذلك تخرج فيه وحدها ، ولأنها تدفع ضرراً متيقناً بتحمل الضرر المتوهم فلا يلزم تحمل ذلك من غير ضرر أصلاً ] . أهـ






2- لا تلبس النقاب ولا القفازين ولا البرقع ولها أن تغطي وجهها تسدل عليه الثوب سدلاً تستتر به عن نظر الرجال:-


فعن ابن عمر أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تلبسوا القميص، ولا العمائم ، ولا السراويلات ، ولا البرنس ، ولا الخفاف ، إلا أحد لا يجد نعلين فيلبس الخفين ، وليقطعهما أسفل من الكعبين ،ولا تلبسوا شيئاً من الثياب مسه الزعفران ولا الورس . الحديث أخرجه البخاري (3/ 469) ومسلم ( 8/105)


قال ابن عبد البر في التمهيد ( 51/ 103-27) : وفي معنى ما ذكر في هذا الحديث من القمص و السراويلات و البرانس ، يدخل المخيط كله بأسره ، فلا يجوز لباس شيء منه للمحرم عند جميع أهل العلم ؛ وأجمعوا أن المراد بهذا الخطاب في اللباس المذكور الرجال دون النساء ، وأنه لا بأس للمرأة بلباس القميص والدروع والسراويل و الخمر و الخفاف ؛ وأجمعوا أن الطيب كله لا يجوز للمحرم أن يقربه متطيبا به زعفران أو غيره .


وأجمعوا على أن إحرام المرأة في وجهها ، وروى عن النبي عليه السلام أنه نهى المرأة الحرام عن النقاب و القفازين.


ثم قال : وعلى كراهية النقاب للمرأة جمهور علماء المسلمين من الصحابة و التابعين ، ومن بعدهم من فقهاء الأمصار أجمعين ؛ لم يختلفوا في كراهية الانتقاب و التبرقع للمرأة المحرمة ، إلا شيء روي عن أسماء بنت أبي بكر ، أنها كانت نغطي وجهها وهي محرمة ؛ وروي عن عائشة أنها قالت تغطي المحرمة وجهها إن شاءت ، وقد روي عنها أنها لا تفعل وعليه الناس .


وأما القفازان ، فاختلفوا فيهما أيضاً ، فروي عن سعيد بن أبي وقاص ، أنه كان يلبِّس بناته وهن محرمات القفازين ، ورخصت فيهما عائشة أيضاً ؛ وبه قال : عطا والثوري ،ومحمد بن الحسن ، وهو أحد قولي الشافعي ؛ وقد يشبه أن يكون مذهب ابن عمر ، لأنه كان يقول : إحرام المرأة في وجهها .


وقال مالك : إن لبست المرأة القفازين افتدت ، وللشافعي قولان في ذلك ، أحدهما تفتدي ، والآخر لا شيء عليهما .


قال أبو عمر ابن عبد البر : الصواب عندي قول من نهى المرأة عن القفازين ، وأوجب عليها الفدية ، لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلاف بين العلماء بعد ما ذكرنا في انه جائز للمرأة المحرمة لباس القمص ،والخفاف ، والسراويلات وسائر الثياب التي لا طيب فيها ، وأنها ليست في ذلك كالرجل .


وأجمعوا أن إحرامها في وجهها دون رأسها ، وأنها تخمر رأسها وتستر شعرها وهي محرمة.


واستحبوا لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلاً خفيفاً تستتر به عن نظر الرجال إليها ، ولم يجيزوا لها تغطية وجهها وهي محرمة إلا ما ذكرنا عن أسماء .


روى مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر ، أنها قالت : كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق .


وقد يحتمل أن يكون ما روي عن أسماء في ذلك ما روي عن عائشة أنها قالت : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن محرمون ، فإذا مر بنا راكب سدلنا الثوب من قبل رؤوسنا وإذا جاوزنا الراكب رفعناه .


قال الحافظ في الفتح ( 3/ 474) :وقال ابن المنذر [ أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله والخفاف كله ، وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلاً تستتر به عن نظر الرجال ] ولا تخمره إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر قالت :


( كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر )) تعني جدتها ، قال : ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدلاً كما جاء عن عائشة قالت : ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بنا ركب سدلنا الثوب على وجوهنا ونحن محرمات فإذا جاوزنا رفعناه ) انتهى .قال الحافظ : الحديث أخرجه هو (يعني ابن المنذر ) من طريق مجاهد عنها وفي إسناده ضعف .


تنبيــه : قال الحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 466) : عند حديث عائشة ( كنا نضمخ وجوهنا بالمسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم فنعرق فيسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا )) قال رحمه الله : فهذا صريح في بقاء عين الطيب ، ولا يقال إن ذلك خاص بالنساء لأنهم أجمعوا على أن الرجال و النساء سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين .


3- { سنن المرأة في الحج التي وردت في قصة أسماء بنت عميس } : قال شمس الدين بن القيم : وولدََتْ أسماء بنت عُميس زوجةُ أبي بكر رضي الله عنهما بذي الحُليفة محمد بن أبي بكر الصديق ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل ، وتستثفر ، بثوب وتحرم وتُهلَّ .


قلت : أخرجه مسلم في صحيحه (1218) في الحج باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم .


وقوله( تستثفر ) قال صاحب النهاية : هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطناً، وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها ،فتمنع بذلك سيل الدم .


قال ابن القيم : وكان في قصتها ثلاثُ سُنن :


إحداها : غسلُ المحرم .


الثانية : أن الحائضَ تغتسِل لإحرامها .


الثالثة : أن الإحرام يصحُّ من الحائض .


4- : رفع الصوت في التلبية خاص برجال ويخرجن النساء من جملة ظاهر الأحاديث كقوله صلى الله عليه وسلم قال :( أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال ) يريد أحدهما


قلت أخرجه أبو داود (4/18) والنسائي (5/ 172) والترمذي (829) وابن ماجة ( 2922) من حديث خلاد بن السائب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم .


قال ابن عبد البر في التمهيد ( 17/239) : وأجمع العلماء على أن السنة في المرأة ، أن لا ترفع صوتها ، وإنما عليها أن تسمع نفسها ، فخرجت من جملة ظاهر الحديث، وخصت بذلك ، وبقي الحديث في الرجال .


قال الترمذي : (( وقد أجمع أهل العلم على أن المرأة لا يلبي عنها غيرها ، هي تلبي عن نفسها ، ويكره لها رفع الصوت بالتلبية . انظر حجة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني صـ51


5- وإذا حاضت المرأة أو نفست بعد إحرامها بالعمرة قبل أن تطوف بالبيت ولم تطهر حتى يوم التروية أحرمت بالحج من مكانها الذي هي مقيمة فيه ، وتعتبر قارنة بين الحج و العمرة ، وتفعل ما يفعل الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر وتغتسل ؛ لقول صلى الله عليه وسلم لعائشة لما حاضت :((افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري )) فإذا طهرت طافت بالبيت وبين الصفا والمروة طوافا واحدا ، وسعيا واحدا وأجزأها ذلك عن حجها وعمرتها جميعاً.


قال ابن القيم في الزاد ( 2/ 163) : وحديث عائشة هذا ، يؤخذ منه أصول عظيمة من أصول المناسك .


أحدها : اكتفاء القارن بطواف واحد وسعي واحد .


الثاني : سقوط طواف القدوم عن الحائض ، كما أن حديثَ صفيَّة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أصل في سقوط طواف الوداع عنها .


الثالث : أن إدخال الحجِّ على العمرة للحائض جائز ، كما يجوز للطاهرة وأولى ، لأنها معذورة محتاجة إلى ذلك .


الرابع : أن الحائضَ تفعل أفعال الحجِّ كلها ، إلا إنها لا تطوف بالبيت .


6- وليس عليها في الطواف ،رمل في الأشواط الأولى ولا في السعي بين الصفا و المروة بين الميلين في الأشواط السبعة بإجماع :-


قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة ( 3 / 466) وفي الفتاوى (17/ 314)


فصل : وليس على النساء سعى بين العلمين ولا صعود على الصفا والمروة كما أنه ليس عليهن في الطواف رمل ولا اضطباع لأن المرأة مأمورة بالستر ما أمكن وفي رملها ورقيها تعرض لظهورها فإن فعلت ذلك .


7- وليس عليها استلام للركنيين .


قال أبو عمر في التمهيد (22/258) : الاستلام للرجال دون النساء عن عائشة ،وعطاء وغيرهما ،وعليه جماعة الفقهاء.


8- ولها أن تتعجل وتدفع من مزدلفة بعد مغيب القمر هذا متفق عليه : [ولها أن ترمي قبل طلوع الشمس على الصحيح ] :-


قال شمس الدين بن قيم الجوزية في زاد المعاد ( 2/ 232) :


[ فإن قيل: فما تصنعون بما رواه الإمام أحمد ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث به مه أهله إلى منى يومَ النَّحر ، فرموا الجمرة مع الفجر .


قيل : نقدِّم عليه حديثه الآخر الذي رواه أيضاً الإمام أحمد ،والترمذي وصححه ،أن النبي صلى الله عليه وسلم : قدَّم ضعفةَ أهله وقال : (لا ترموا الجمرةَ حتَّى تطلُعَ الشَّمْسُ ) ولفظ أحمد فيه : قَدَّمَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أُغَيْلمَةَ بني عبد المطلب على حُمُراتٍ لَنَا من جمعٍ فجعل يلطحُ أفخاذنا ويقول : ( أيْ بُني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ) .لأنه أصح منه ، وفيه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رمي الجمرة قبل طلوع الشمس ، وهو محفوظ بذكر القصة فيه. والحديث الآخر : إنما فيه : أنهم رموها مع الفجر.


ثم تأملنا فإذا أنه لا تعارض بين هذه الأحاديث ، فإنه أمر الصبيان أن لا يرموا الجمرة حتى تَطُلعَ الشمس ، فإنه لا عُذر لهم في تقديم الرمي ، أما من قدَّمه من النساء ، فرمّيْنَ قبل طلوع الشمس للعُذر و الخوف عليهن من مزاحمة الناس وحَطْمِهِم ، وهذا الذي دلت عليه السنةُ جواز الرمي قبل طلوع الشمس ، للعذر بمرض ، أو كِبَرٍ يَشُقُّ عليه مزاحمة الناس لأجله ، وأما القادرُ الصحيح ، فلا يجوز له ذلك ] .


9- ولها إن حاضت بعد طواف الإفاضة أن تكتفي به عن طواف الوداع وتنفر :-


قال ابن القيم في زاد المعاد : (2/ 262) :


[فطافت عائشةُ في ذلك اليوم طوافاً واحداً ، وسعت سعياً واحداً أجزأها عن حجِّها وعُمرتها ، وطافت صفيَّةُ ذلك اليوم ، ثم حاضت فأجزأها طوافها ذلك عن طواف الوداع ، ولم تُودِّعْ ، فاستقرَّت سنته صلى الله عليه وسلم في المرأة الطاهرة إذا حاضت قبل الطواف – أو قبل الوقوف – أن تَقْرِنَ ، وتكتفيَ بطواف واحد ، وسعي واحد .


وإن حاضت بعد طواف الإفاضة اجتزأت به عن طواف الوداع ] .


وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 26 / 223-241 ):


وأما (( المسألة الثانية )) : فإن المرأة إذا حاضت وطهرت قبل يوم النحر ، سقط عنها طواف القدوم ، وطافت طواف الإفاضة يوم النحر وبعده ، وهي طاهر . وكذلك لو طافت طواف الإفاضة وهي طاهر ثم حاضت فلم تطهر قبل الخروج فإنه يسقط عنها طواف الوداع ؛ لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث رخص للمرأة إذا طافت وهي طاهر ثم حاضت أنه يسقط عنها طواف الوداع ، وحاضت امرأته صفية أم المؤمنين يوم النحر ، فقال:(( أحابستنا هي ؟ فقالوا : إنها قد أفاضت ، قال : فلا إذاً )) .


10- وإن حاضت قبل طواف الإفاضة فعليها أن تحتبس حتى تطهر وتطوف إلا إذا خافت على نفسها أن تبقى وحدها بذهاب الرفقة ، فتطوف طواف الإفاضة ،وينبغي أن تغتسل - وإن كانت حائضا - كما تغتسل للإحرام- وتستثفر كما تستثفر المستحاضة.


قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 26 / 223-241 )


[ وان حاضت قبل طواف الإفاضة فعليها أن تحتبس حتى تطهر وتطوف إذا أمكن ذلك ، وعلى من معها أن يحتبس لأجلها إذا أمكنه ذلك . ولما كانت الطرقات آمنة في زمن السلف ، والناس يردون مكة ، ويصدرون عنها في أيام العام ، كانت المرأة يمكنها أن تحتبس هي وذو محرمها ، ومكاريها ، حتى تطهر ثم تطوف ، فكان العلماء يأمرون بذلك. وربما أمروا الأمير أن يحتبس لأجل الحيض ، حتى يطهرن ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أحابستنا هي ؟ )) وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - أمير ، وليس بأمير: امرأة مع قوم حاضت قبل الإفاضة فيحتبسون لأجلها حتى تطهر وتطوف ، أو كما قال .


وأما هذه الأوقات ، كثير من النساء أو أكثرهن لا يمكنها الاحتباس بعد الوفد ، والوفد ينفر بعد التشريق بيوم أو يومين ، أو ثلاثة ، وتكون هي قد حاضت ليلة النحر ، فلا تطهر إلى سبعة أيام أو أكثر ، وهي لا يمكنها أن تقيم بمكة حتى تطهر ؛ إما لعدم النفقة ، أو لعدم الرفقة التي تقيم معها ، وترجع معها ، ولا يمكنها المقام بمكة لعدم هذا أو هذا أو لخوف الضرر على نفسها ، ومالها في المقام ، وفي الرجوع بعد الوفد ، والرفقة التي معها : تارة لا يمكنهم الاحتباس لأجلها إما لعدم القدرة على المقام والرجوع وحدهم ، وإما لخوف الضرر على أنفسهم وأموالهم. وتارة يمكنهم ذلك لكن لا يفعلونه فتبقى هي معذورة .


فهذه (( المسألة )) التي عمت بها البلوى ، فهذه إذا طافت وهي حائض وجبرت بدم أو بدنة أجزأها ذلك عند من يقول : الطهارة ليست شرطاً ، كما تقدم في مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنه ، وأولى فإن هذه معذورة ؛ لكن هل يباح لها الطواف مع العذر هذا محل النظر ، وكذلك قول من يجعلها شرطاً: هل يسقط هذا الشرط للعجز عنه ، ويصح الطواف ؟ هذا هو الذي يحتاج الناس إلى معرفته .


فيتوجه أن يقال : إنما تفعل ما تقدر عليه من الواجبات ، ويسقط عنها ما تعجز عنه ، فتطوف ، وينبغي أن تغتسل - وإن كانت حائضا - كما تغتسل للإحرام ، وأولى . وتستثفر كما تستثفر المستحاضة ، وأولى وذلك لوجوه :


أحدها : أن هذه لا يمكن فيها إلا أحد أمور خمسة : إما أن يقال : تقيم حتى تطهر وتطوف ، وإن لم يمكن لها نفقة ولا مكان تأوي إليه بمكة ، وإن لم يمكنها الرجوع إلى بلدها ، وإن حصل لها بالمقام بمكة من يستكرهها على الفاحشة ، فيأخذ مالها إن كان معها مال .


وإما أن يقال : بل ترجع غير طائفة بالبيت وتقيم على ما بقى من إحرامها ، إلى أن يمكنها الرجوع ، وإن لم يمكنها بقيت محرمة إلى أن تموت .


وإما أن يقال : بل تتحلل كما يتحلل المحصر ، ويبقى تمام الحج فرضاً عليها تعود إليه كالمحصر عن البيت مطلقاً ، لعذر ، فإنه يتحلل من إحرامه ، ولكن لم يسقط الفرض عنه بل هو باق في ذمته باتفاق العلماء ، ولو كان قد أحرم بتطوع من حج أو عمرة ، فأحصر فهل عليه قضاؤه ؟ على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد : أشهرهما عنه أنه لا قضاء عليه ، وهو قول مالك والشافعي .


والثاني : عليه القضاء وهو قول أبي حنيفة ، وكل من الفريقين احتج بعمرة القضية هؤلاء قالوا : قضاها النبي صلى الله عليه وسلم ، وأولئك قالوا : لم يقضها المحصرون معه ، فإنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة ، والذين اعتمروا معه عمرة القضية في العام القابل كانوا دون ذلك بكثير ، وقالوا : سميت عمرة القضية ؛ لأنه قاضى عليها المشركين ، لا لكونه قضاها ، وإنما كانت عمرة قائمة بنفسها .


وإما أن يقال : من تخاف أن تحيض فلا يمكنها الطواف طاهراً لا تؤمر بالحج ، لا إيجاباً ولا استحباباً ، ونصف النساء أو قريب من النصف يحضن ؛ إما في العاشر ، وإما قبله بأيام ، ويستمر حيضهن إلى ما بعد التشريق بيوم أو يومين ، أو ثلاثة ، فهؤلاء في هذه الأزمنة في كثير من الأعوام ، أو أكثرها لا يمكنهن طواف الإفاضة مع الطهر ، فلا يحججن ، ثم إذا قدر أن الواحدة حجت فلا بد لها من أحد الأمور الثلاثة المتقدمة ، إلا أن يسوغ لها الطواف مع الحيض .


ومن المعلوم أن الوجه الأول لا يجوز أن تؤمر به ، فإن في ذلك من الفساد في دينها ودنياها ما يعلم بالاضطرار أن الله ينهى عنه ، فضلاً عن أن يأمر به .


والوجه الثاني : كذلك لثلاثة أوجه :


أحدها : أن الله لم يأمر أحداً أن يبقى محرماً إلى أن يموت ، فالمحصر بعدو له أن يتحلل باتفاق العلماء ، والمحصر بمرض ، أو فقر فيه نزاع مشهور ، فمن جوز له التحلل فلا كلام فيه ، ومن منعه التحلل قال : إن ضرر المرض والفقر لا يزول بالتحلل ، بخلاف حبس العدو فإنه يستفيد بالتحلل الرجوع إلى بلده ، وأباحوا له أن يفعل ما يحتاج إليه من المحظورات ، ثم إذا فاته الحج تحلل بعمرة الفوات ، فإذا صح المريض ذهب ، والفقير حاجته في إتمام سفر الحج كحاجته في الرجوع إلى وطنه ، فهذا مأخذهم في أنه لا يتحلل ، قالوا لأنه لا يستفيد بالتحلل شيئاً ، فإن كان هذا المأخذ صحيحاً ، وإلا كان الصحيح هو القول الأول وهو التحلل ، وهذا المأخذ يقتضي اتفاق الأئمة على أنه متى كان دوام الإحرام يحصل به ضرر يزول بالتحلل فله التحلل .


ومعلوم أن هذه المرأة إذا دام إحرامها تبقى ممنوعة من الوطء دائماً ، بل وممنوعة في أحد قوليهم من مقدمات الوطء ، بل ومن النكاح ، ومن الطيب ، ومن الصيد عند من يقول بذلك ، وشريعتنا لا تأتى بمثل ذلك .


ولو قدر أن بعض القائلين بأن المحصر بمرض أو نفقة يقول بمثل ذلك _ المريض الميؤوس من برئه ، والفقير الذي يمكنه المقام دون السفر _ كان قوله مردوداً بأصول الشريعة ، فإنه لا يقول فقيه : إن الله أمر المريض المعضوب الميؤوس من برئه ، أن يبقى محرما حتى يموت ، بل أكثر ما يقال أنه يقيم مقامه من يحج عنه ، كما قال ذلك الشافعي وأحمد في أصل الحج ، فأوجباه على المعضوب إذا كان له مال يحج به غيره عنه ، إذ كان مناط الوجوب عندهما هو ملك الزاد والراحلة ، وعند مالك القدرة بالبدن كيف ما كان ، وعند أبي حنيفة مجموعهما ، وعند أحمد في كل من الأمرين مناط للوجوب ، فيجب على هذا وهذا ، ولم يقل أحد من أئمة المسلمين أن المعضوب عليه أن يحج أو يعتمر ببدنه ، فكيف يبقى محرماً عليه إتمام الحج إلى أن يموت ؟!


الثاني : أن هذه إذا أمكنها العود فعادت أصابها في المرة الثانية نظير ما أصابها في الأولى ، إذا كان لا يمكنها العود إلا مع الوفد ، والحيض قد يصيبها مدة مقامهم بمكة .


الثالث : أن هذا إيجاب سفرين كاملين على الإنسان للحج ، من غير تفريط منه ، ولا عدوان ، وهذا خلاف الأصول ، فإن الله لم يوجب على الناس الحج إلا مرة واحدة ، وإذا أوجب القضاء على المفسد فذلك بسبب جنايته على إحرامه ، وإذا أوجبه على من فاته الحج فذلك بسبب تفريطه ؛ لأن الوقوف له وقت محدود ، يمكن في العادة أن لا يتأخر عنه فتأخره يكون لجهله بالطريق ، أو بما بقى من الوقت ، أو لترك السير المعتاد ، وكل ذلك تفريط منه ؛ بخلاف الحائض فإنها لم تفرط ، ولهذا أسقط النبي صلى الله عليه وسلم عنها طواف الوداع ، وطواف القدوم كما في حديث عائشة وصفية .


وأما التقدير الثالث : وهو أن يقال إنها تتحلل كما يتحلل المحصر ، فهذا أقوى ، كما قال ذلك طائفة من العلماء ، فإن خوفها منعها من المقام حتى تطوف ، كما لو كان بمكة عدو منعها من نفس الطواف ، دون المقام على القول بذلك ، لكن هذا القدر لا يسقط عنها فرض الإسلام ، ولا يؤمر المسلم بحج يحصر فيه ، فمن أعتقد أنه إذا حج أحصر عن البيت ، لم يكن عليه الحج ، بل خلو الطريق وأمنه ، وسعة الوقت : شرط في لزوم السفر باتفاق المسلمين .


وإنما تنازعوا هل هو شرط في الوجوب ، بمعنى أن مالك الزاد والراحلة مع خوف الطريق ، أو ضيق الوقت ، هل يجب عليه ؟ فيحج عنه إذا مات ؟ أو لا يجب عليه بحال ؟ على قولين معروفين . فعلى قول من لم يجعل لها رخصة إلا رخصة الحصر يلزمه القول الرابع وهو أنها لا تؤمر بالحج ؛ بل لا يجب ولا يستحب ، فعلى هذا التقدير يبقى الحج غير مشروع لكثير من النساء ، أو أكثرهن في أكثر هذه الأوقات ، مع إمكان أفعالها كلها لكونهن يعجزن عن بعض الفروض في الطواف .


ومعلوم أن هذا خلاف أصول الشريعة ، فإن العبادات المشروعة إيجاباً أو استحباباً ، إذا عجز عن بعض ما يجب فيها ، لم يسقط عنه المقدور لأجل المعجوز ، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) وذلك مطابق لقول الله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } ومعلوم أن الصلاة وغيرها من العبادات التي هي أعظم من الطواف لا تسقط بالعجز عن بعض شروطها ، وأركانها فكيف يسقط الحج بعجزه عن بعض شروط الطواف وأركانه ؟!


ومثل هذا القول أن يقال : يسقط عنها طواف الإفاضة ، فإن هذا خلاف الأصول ، إذ الحج عبارة عن الوقوف والطواف ، والطواف أفضل الركنين وأجلهما ؛ ولهذا يشرع في الحج ، ويشرع في العمرة ، ويشرع منفرداً ، ويشترط له من الشروط مالا يشترط للوقوف ، فكيف يمكن أن يصح الحج بوقوف بلا طواف .


ولكن أقرب من ذلك أن يقال : يجزيها طواف الإفاضة قبل الوقوف ، فيقال : إنها إن أمكنها الطواف بعد التعريف ، وإلا طافت قبله ؛ لكن هذا لا نعلم أحداً من الأئمة قال به في صورة من الصور ، ولا قال بإجزائه ؛ إلا ما نقله البصريون عن مالك فيمن طاف وسعى قبل التعريف ، ثم رجع إلى بلده ناسياً ، أو جاهلاً ، أن هذا يجزيه عن طواف الإفاضة .


وقد قيل على هذا يمكن أن يقال في الحائض مثل ذلك إذا لم يمكنها الطواف إلا قبل الوقوف ، ولكن هذا لا أعرف به قائلا .


والمسألة المنقولة عن مالك قد يقال : فيها أن الناسي والجاهل معذور ، ففي تكليفه الرجوع مشقة عظيمة ، فسقط الترتيب لهذا العذر ، وكما يقال في الطهارة في أحد الوجهين ، على إحدى الروايتين في مذهب أحمد : أنه إذا طاف محدثاً ناسياً حتى أبعد كان معذوراً ، فيجبره بدم .


وأما إذا أمكنه الإتيان بأكثر الواجبات ؛فكيف يسقط بعجزه عن بعضها ، وطواف الحائض قد قيل أنه يجزئ مطلقاً ، وعليها دم .


وأما تقديم طواف الفرض على الوقوف ؛ فلا يجزي مع العمد بلا نزاع ، وترتيب قضاء الفوائت يسقط بالنسيان عند أكثر العلماء ، ولا يسقط بالعجز عن بعض شروط الصلاة ولا بضيق الوقت عند أكثرهم .


وأيضاً فالمستحاضة ومن به سلس البول ، ونحو هؤلاء لو أمكنه أن يطوف قبل التعريف بطهارة ، وبعد التعريف بهذا الحدث لم يطف إلا بعد التعريف ، ولهذا لا يجوز للمرأة أن تصوم قبل شهر رمضان ؛ لأجل الحيض في رمضان ولكن تصوم بعد وجوب الصوم . وأيضاً فإن الأصول متفقة على أنه متى دار الأمر بين الإخلال بوقت العبادة ، والإخلال ببعض شروطها ، وأركانها ، كان الإخلال بذلك أولى كالصلاة ، فإن المصلى لو أمكنه أن يصلي قبل الوقت بطهارة وستارة ، مستقبل القبلة ، مجتنب النجاسة ، ولم يمكنه ذلك في الوقت ، فإنه يفعلها في الوقت على الوجه الممكن ، ولا يفعلها قبله بالكتاب والسنة والإجماع .


وكذلك أيضاً لا يؤخر العبادة عن الوقت ، بل يفعلها فيه بحسب الإمكان ، وإنما يرخص للمعذور في الجمع لأن الوقت وقتان : وقت مختص لأهل الرفاهية ، ووقت مشترك لأهل الأعذار ، والجامع بين الصلاتين صلاهما في الوقت المشروع ، لم يفوت واحدة منهما ، ولا قدمها على الوقت المجزئ باتفاق العلماء .


وكذلك الوقوف لو فرضنا أنه أمكنه الوقوف قبل الوقت ، أو بعده ، إذا لم يمكنه في وقته ، لم يكن الوقوف في غير وقته مجزياً باتفاق العلماء والطواف للإفاضة هو مشروع بعد التعريف ، ووقته يوم النحر ، وما بعده ، وهل بجزئ بعد انتصاف الليل ليلة النحر ؟ فيه نزاع مشهور .


فإذا تبين فساد هذه الأقسام الأربعة ، بقي ( الخامس ) : وهو أنها تفعل ما تقدر عليه ، ويسقط عنها ما تعجز عنه ، وهذا هو الذي تدل عليه النصوص المتناولة لذلك ، والأصول المشابهة له ، وليس في ذلك مخالفة الأصول ، والنصوص التي تدل على وجوب الطهارة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : (( تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت )) إنما تدل على الوجوب مطلقاً ، كقوله : (( إذا أحدث أحدكم فلا يصلى حتى يتوضأ )) وقوله : (( لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يتوضأ )) وقوله : (( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار )) وقوله : (( حكيه ، ثم اقرصيه ، ثم اغسليه ، ثم صلى فيه )) وقوله : (( لا يطوف بالبيت عريان )) وأمثال ذلك من النصوص ، وقد علم أن وجوب ذلك جميعه مشروط بالقدرة كما قال تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } وقال صلى الله عليه وسلم : (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) وهذا تقسيم حاصر .


إذا تبين أنه لا يمكن أن تؤمر بالمقام مع العجز والضرر على نفسها ودينها ومالها ، ولا تؤمر بدوام الإحرام ، وبالعود مع العجز ، وتكرير السفر ، وبقاء الضرر ، من غير تفريط منها ، ولا يكفي التحلل ، ولا يسقط به الفرض .


وكذلك سائر الشروط : كالستارة ، واجتناب النجاسة ، وهي في الصلاة أوكد ، فإن غاية الطواف أن يشبه بالصلاة ، وليس في الطواف نص ينفي قبول الطواف مع عدم الطهارة ، والستارة ، كما في الصلاة ، ولكن فيه ما يقتضي وجوب ذلك .


ولهذا تنازع العلماء : هل ذلك شرط ؟ أو واجب ليس بشرط ؟ ولم يتنازعوا أن ذلك شرط في صحة الصلاة وأنه يستلزم أن تؤمر بترك الحج ، ولا تؤمر بترك الحج بغير ما ذكرناه ، وهو المطلوب .


الدليل الثاني : أن يقال : غاية ما في الطهارة أنها شرط في الطواف ومعلوم أن كونها شرطا في الصلاة أوكد منها في الطواف ، ومعلوم أن الطهارة كالستارة ، واجتناب النجاسة ، بل الستارة في الطواف أوكد من الطواف ؛ لأن ستر العورة يجب في الطواف ، وخارج الطواف ولأن ذلك من أفعال المشركين التي نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها نهياً عاماً ؛ ولأن المستحاضة ومن به سلس البول ونحوهما يطوف ويصلي باتفاق المسلمين ، والحدث في حقهم من جنس الحدث في حق غيرهم ،لم يفرق بينهما إلا العذر.


وإذا كان كذلك ، وشروط الصلاة تسقط بالعجز ، فسقوط شروط الطواف بالعجز أولى وأحرى ، والمصلي يصلي عرياناً ، ومع الحدث ، والنجاسة في صورة المستحاضة ، وغيرها ، ويصلي مع الجنابة وحدث الحيض مع التيمم ، وبدون التيمم عند الأكثرين إذا عجز عن الماء ، والتراب ؛ لكن الحائض لا تصلي ؛ لأنها ليست محتاجة إلى الصلاة مع الحيض ، فإنها تسقط عنها إلى غير بدل ؛ لأن الصلاة تتكرر بتكرر الأيام ، فكانت صلاتها في سائر الأيام تغنيها عن القضاء ؛ ولهذا أمرت بقضاء الصيام دون الصلاة ؛ لأن الصوم شهر واحد في الحول ، فإذا لم يمكنها أن تصوم طاهراً في رمضان ، صامت في غير شهر رمضان ، فلم يتعدد الواجب عليها ، بل نقلت من وقت إلى وقت ، ولو قدر أنها عجزت عن الصوم عجزاً مستمراً ، كعجز الشيخ الكبير ، والعجوز الكبيرة والمريض الميؤوس من برئه ، سقط عنها إما إلى بدل ، وهو الفدية بإطعام مسكين عن كل يوم عند الأكثرين ، كمذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، وإما إلى غير بدل كقول مالك .


وأما الصلاة فلا يمكن العجز عن جميع أركانها ، بل يفعل منها ما يقدر عليه ، فلو قدر أنه عجز عن جميع الحركات الظاهرة برأسه وبدنه سقطت عنه في أحد قولي العلماء ، كقول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين ، وأحد القولين في مذهب مالك ، وفى القول الآخر يومئ بطرفه ويستحضر الأفعال بقلبه ، كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ، والقول الأول أشبه بالأثر والنظر .


وأما الحج فالتقدير أنه لا يمكنها أن تحج إلا على هذا الوجه ، وإذا لم يمكنها ذلك كان هذا غاية المقدور ، كما لو لم يمكنه أن يطوف إلا راكباً ، أو حامل النجاسة .


فإن قيل : هنا سؤالان :


أحدهما : أنه هلا جعلت الحائض كالمعضوب ، فإن كانت ترجو أن تحج ، ويمكنها الطواف وإلا استنابت ؟.


والثاني : أنه إذا لم يسوغ لها الشارع الصلاة زمن الحيض ، كما سوغها للجنب بالتيمم ، وللمستحاضة ، علم أن الحيض لا تصح معه العبادة بحال .


فيقال : أما الأول فلأن المعضوب هو الذي يعجز عن الوصول إلى مكة ، فإما من أمكنه الوصول إلى مكة وعجز عن بعض الواجبات فليس بمعضوب ، كما لو أمكنه الوصول وعجز عن اجتناب النجاسة ، مثل المستحاضة ، ومن به سلس البول ، ونحوهما فإن عليه الحج بالإجماع ، ويسقط عنه ما يعجز عنه من الطهارة ، وكذلك من لم يمكنه الطواف إلا راكباً أو محمولاً ، أو من لم يمكنه رمي الجمار ونحو ذلك فانه يستنيب فيه ويحج ببدنه .


وأما صلاة الحائض فليست محتاجة إليها ؛ لأن في صلاة بقية الأيام غنى عنها ، ولهذا إذا استحيضت أمرت بالصلاة مع الاستحاضة ، ومع احتمال الصلاة مع الحيض ، وإن كان خروج ذلك الدم وتنجيسها به يفسد الصلاة ، لولا العذر ، فقد فرق الشارع بين المعذور وغيره في ذلك ، ولهذا لو أمكن المستحاضة أن تطهر وتصلي حال انقطاع الدم وجب عليها ذلك ، وإنما أباح الصلاة مع خروجه للضرورة .


فإن قيل فقد كان الجنب والمستحاضة ونحوهما يمكن إسقاط الصلاة عنه ، كما أسقطت عن الحائض ، ويكون صلاة بقية الأيام مغنية ، فلما أمرها الشارع بالصلاة دون الحائض ، علم أن الحيض ينافي الصلاة مطلقاً ، وكذلك ينافي الطواف الذي هو كالصلاة .


فيقال : الجنب ونحوه لا يدوم به موجب الطهارة ، بل هو بمنزلة الحائض التي انقطع دمها ، وهو متمكن من إحدى الطهارتين ، وأما المستحاضة فلو أسقط عنها الصلاة للزم سقوطها أبداً ؛ فلما كان حدثها دائما لم تمكن الصلاة إلا معه ، فسقط وجوب الطهارة عنها ، فهذا دليل على أن العبادة إذا لم يمكن فعلها إلا مع المحظور ، كان ذلك أولى من تركها ، والأصول كلها توافق ذلك ، والجنب إذا عدم الماء والتراب صلى أيضاً في أشهر قولي العلماء لعجزه عن الطهارة ، فالحيض ينافي الصلاة مطلقاً لعدم الحاجة إلى الصلاة مع الحيض ، استغناء بتكرر أمثالها ، وأما الحج والطواف فيه فلا يتكرر وجوبه ، فإن لم يصح مع العذر لزم ألا يصح مطلقاً ، والأصول قد دلت على أن العبادة إذا لم تمكن إلا مع العذر كانت صحيحة مجزية معه بدون ما إذا فعلت بدون العذر ، وقد تبين أنه لا عذر للحائض في الصلاة مع الحيض ، لاستغنائها بها عن ذلك بتكرر أمثالها في غير أيام الحيض بخلاف الطواف فإنه إذا لم يمكنها فعله إلا مع الحيض ، لم تكن مستغنية عنه بنظيره فجاز لها ذلك ، كسائر ما تعجز عنه من شروط العبادات .


الدليل الثالث : أن يقال : هذا نوع من أنواع الطهارة ، فسقط بالعجز كغيره من أنواع الطهارة ، فإنها لو كانت مستحاضة ولم يمكنها أن تطوف إلا مع الحدث الدائم ، طافت باتفاق العلماء . وفى وجوب الوضوء عليها خلاف مشهور بين العلماء وفى هذا صلاة مع الحدث ، ومع حمل النجاسة ، وكذلك لو عجز الجنب أو المحدث عن الماء والتراب صلى وطاف في أظهر قولي العلماء .


الدليل الرابع : أن يقال : شرط من شرائط الطواف ، فسقط بالعجز كغيره من الشرائط ، فإنه لو لم يمكنه أن يطوف إلا عرياناً لكان طواف عرياناً أهون من صلاته عرياناً ، وهذا واجب بالاتفاق ، فالطواف مع العري إذا لم يمكن إلا ذلك أولى وأحرى .


وإنما قلَّ تكلمُ العلماء في ذلك لأن هذا نادر ، فلا يكاد بمكة يعجز عن سترة يطوف بها ، لكن لو قدر أنه سلب ثيابه ، والقافلة خارجون لا يمكنه أن يتخلف عنهم ، كان الواجب عليه فعل ما يقدر عليه من الطواف مع العري ، كما تطوف المستحاضة ، ومن به سلس البول مع أن النهى عن الطواف عرياناً أظهر وأشهر في الكتاب والسنة ، من طواف الحائض .


وهذا الذي ذكرته هو مقتضى الأصول المنصوصة ، العامة المتناولة لهذه الصورة لفظاً ومعنى ، ومقتضى الاعتبار والقياس على الأصول التي تشابهها ، والمعارض لها إنما لم يجد للعلماء المتبوعين كلاماً في هذه الحادثة المعينة ، كما لم يجد لهم كلاماً فيما إذا لم يمكنه الطواف إلا عرياناً ، وذلك لأن الصور التي لم تقع في أزمنتهم لا يجب أن تخطر بقلوبهم ، ليجب أن يتكلموا فيها ، ووقوع هذا وهذا في أزمنتهم إما معدوم ، وإما نادر جداً ، وكلامهم في هذا الباب مطلق عام ، وذلك يفيد العموم ، لو لم تختص الصورة المعينة بمعان توجب الفرق والاختصاص ، وهذه الصورة قد لا يستحضرها المتكلم باللفظ العام من الأئمة لعدم وجودها في زمنهم والمقلدون لهم ذكروا ما وجدوه من كلامهم .


ولهذا أوجب مالك وغيره على مكاريها أن يحتبس لأجلها إذا كانت الطرقات آمنة ، ولا ضرر عليه في التخلف معها ، وكانوا في زمن الصحابة وغيرهم يحتبس الأمير لأجل الحيض والمتأخرون من أصحاب مالك أسقطوا عن المكاري الوداع ، وأسقط المبيت عن أهل السقاية ، والرعاية ، لعجزهم . وعجزهم يوجب الاحتباس معها في هذه الأزمان ولا ريب أن من قال الطهارة واجبة في الطواف وليست شرطاً ،فإن يلزمه أن يقول : إن الطهارة في مثل هذه الصورة ليست واجبة لعدم القدرة عليها ، فإنه يقول إذا طاف محدثاً وأبعد عن مكة ،لم يجب عليه العود للمشقة ، فكيف يجب على هذه ما لا يمكنها إلا بمشقة أعظم من ذلك، لكن هناك من يقول عليه دم، وهنا يتوجه أن لا يجب عليها دم، لأن الواجب إذا تركه من غير تفريط فلا دم عليه ، بخلاف ما إذا تركه ناسيا أو جاهلا ، وقد يقال عليها دم لندور هذه الصورة، ونظير ذلك أن يمنعه عدو عن رمي الجمرة فلا يقدر على ذلك حتى يعود إلى مكة ،أو يمنعه العدو عن الوقوف بعرفة إلى الليل أو يمنعه العدو عن طواف الوداع بحيث لا يمكنه المقام حتى يودع ،وقد ثبت في الصحيح عن النبي أنه( أسقط عن الحائض طواف الوداع) ،ومن قال:إن الطهارة فرض في الطواف وشرط فيه ؛فليس كونها شرطاً فيه أعظم من كونها شرطاً في الصلاة،


ومعلوم أن شروط الصلاة تسقط بالعجز ،فسقوط شروط الطواف بالعجز أولى وأحرى .


هذا هو الذي توجه عندي في هذه المسألة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولولا ضرورة الناس واحتياجهم إليها علما وعملا لما تجشمت الكلام حيث لم أجد فيها كلاما لغيري فإن الاجتهاد عند الضرورة مما أمرنا الله به ،فإن يكن ما قلته صواباً فهو حكم الله ورسوله والحمد لله وإن يكن ما قلته خطأ ،فمنى ومن الشيطان والله ورسوله بريئان من الخطأ ،وإن كان المخطئ معفواً عنه والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق